Wednesday, November 5

آخر ضحايا التدين البديل


مقال هام للدكتور علاء الأسواني
جريدة الدستور
5 نوفمبر 2008

حدث ذلك فى العام الماضى ..

كنت فى لندن عندما ثارت ضجة كبرى حول أحد المسلمين من أصل باكستانى وهو مولود فى إنجلترا ويحمل الجنسية الإنجليزية .. فقد ألقى هذا الشخص خطبة الجمعة فى أحد مساجد لندن فأعلن على المصلين أن إنجلترا ليست إلا واحدة من بلاد الكفار , وأن المواطن الإنجليزى المسلم يجب أن يرفض أداء الخدمة العسكرية فى الجيش الإنجليزى الكافر ...

وأن عقوبة المسلم الإنجليزى الذى يقبل التجنيد أن يتم ذبحه بمقتضى الشريعة الإسلامية .

وقد إستعمل الخطيب كلمة يذبح بدلا من يقتل ليؤكد أن حكم الشرع هنا هو قطع الرقبة ...

بالطبع تم القبض على هذا الخطيب وتصدرت كلماته الصحف الإنجليزية جميعا ..

وكانت هذه الواقعة بمثابة هدية العيد إلى الكتاب الصهيونيين والمعادين للإسلام فإنهمرت التعليقات حول دموية الإسلام وتشجيعه للإرهاب.

وقلت لنفسى أن هذا الخطيب المتطرف الجاهل سوف يلقى أقصى عقوبة فى القانون البريطانى وهو يستحقها بالتأكيد , فهو يعلن إحتقاره لبلاده التى يحمل جنسيتها ويحرض الشباب على رفض الخدمة العسكرية ثم يحرض الناس على ذبح الجنود البريطانيين المسلمين , وهذه الدعوة العلنية للقتل تأتى بعد أن تعرضت إنجلترا إلى هجمات إرهابية أدت إلى مقتل العشرات من الأبرياء ..

كل هذه العوامل جعلت عقاب هذا الخطيب مؤكدا ومفهوما بالنسبة إلىّ , لكننى بينما كنت أشاهد نشرة أخبار الساعة الخامسة فى التليفزيون , فوجئت بخبر الإفراج عن الخطيب المتطرف دون توجيه تهمة .! وقد صرح القاضى الإنجليزي الذى أفرج عنه بأن ما دعا إليه الخطيب من قتل المجندين المسلمين لايشكل تهمة تحريض على القتل , لأنه لم يدع إلى قتل شخص بعينه ... ومن ثم فإن دعوته العلنية إلى القتل , برغم وحشيتها ، لا تخرج عن كونها مجرد أفكار والقانون البريطانى لا يعاقب الناس على أفكارهم .

تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ عن المأساة التى يتعرض لها الآن الطبيبان المصريان شوقى عبد ربه ورءوف أمين، فقد إتهمتهما السلطات السعودية بإعطاء بعض الأدوية المهدئة إلى أميرة سعودية مما تسبب فى إدمانها المخدرات . والتهمة غائمة غير محددة وتحتاج إلى تحقيق طبى متخصص ومحايد ، خصوصا أن الأميرة كانت مدمنة للمخدرات قبل أن تبدأ العلاج مع الطبيبين ...

وفى كل الأحوال فإن من حق أى متهم أن يحظى بمحاكمة عادلة ...

لكن السلطات السعودية إعتبرت أن بلاغ الأميرة عنوان الحقيقة ، فالأميرة السعودية عندهم منزهة عن الكذب .وبالتالى تم القبض على الطبيبين المصريين وضربهما وتعذيبهما حتى يعترفا بما إتهمتهما به سمو الأميرة ، ولما إعترفا تحت وطأة التعذيب البشع صدر الحكم عليهما بالحبس 7 سنوات وألف خمسمائة جلدة لكل منهما ... ولما إستأنف أحدهما ، الدكتور رءوف أمين ، الحكم الصادر ضده ، صدر عليه حكم جديد بالحبس 15 عاما بدلا من سبع سنوات .... عقابا له ، فيما يبدو ، على إستئناف الحكم الأول والإعتراض على مشيئة سمو الأميرة فى التنكيل به ...

ونحن هنا نتساءل : لو كان هذان الطبيبان إنجليزيين أو أمريكيين هل كانت السلطة السعودية تجرؤ على جلدهما وحبسهما ؟

بل وهل كان بمقدور السلطة السعودية أن تقبض عليهما من الأساس ؟؟

الإجابة طبعا معروفة فالغربيون فى السعودية معاملتهم تختلف تماما عن معاملة العرب المسلمين ... ولقد قالت زوجة الدكتور رءوف أمين لجريدة الوفد : (( إن الأمر كله فى يد الأميرة السعودية فهى تستطيع أن تظلم وأن تعفو بالتليفون )) ..

والمعنى هنا أن القانون فى السعودية يتفاوت تطبيقه على الناس تماما ، بإختلاف الجنسيات والنفوذ والمكانة الإجتماعية ....وفى هذا إنتفاء لفكرة العدالة من أساسها .. إن الظلم الذى يتعرض له مئات الألوف من المصريين فى السعودية ، وهذا الإحتقار من السلطات السعودية للمصريين ، وهذا التخاذل المشين من قبل الحكومة المصرية عن حماية المصريين فى السعودية .. كل هذا ليس بجديد .. لكن ما يستحق التأمل أن هذا الظلم الفاحش الذى وقع على الطبيبين المصريين .... إعتبرته السلطات السعودية تنفيذا لشريعة الإسلام ....

وهنا تصدمنا ظاهرة التدين البديل التى كتبت عنها من قبل ، عندما يستبدل الناس بجوهر الإسلام ومبادئه الحقيقية ، الطقوس والمظاهر ... عندما لا نرى فى الإسلام دفاعا عن الحق والعدل والحرية وإنما نقصره على الحجاب وأداء صلاة الجماعة ..

إن ظاهرة التدين البديل قد نشأت أصلا فى المملكة السعودية ثم إنتشرت منها إلى أنحاء المعمورة .

فالسلطات السعودية التى تمنع الإختلاط فى المدارس وتحرم التمثيل ونحت التماثيل والتى تجبر الناس عنوة على أداء الصلاة وتمنع المرأة من قيادة السيارة وتنهرها وتضربها إذا كشفت شعرها أو جزءا من قدمها . هذه السلطة المتشددة فى المظاهر لا تجد غضاضة فى إقامة قواعد للجنود الأمريكيين فى السعودية ليشنوا منها حروب إبادة ضد المسلمين فى البلاد المجاورة , ولا تجد حرجا فى أن تضع الثروات الطائلة التى تقدر بتريليونات الدولارات فى البنوك الأمريكية "" الكافرة "" بينما تحرم البنوك فى العالم الإسلامى من الإنتفاع بها .. وهذه السلطة السعودية المتشددة فى المظاهر لا تتورع عن إرتكاب أكبر أشكال الظلم الفاحش ضد المقيمين غير السعوديين ....

بدءا من الإستيلاء على أجورهم لصالح الكفيل وحتى إذلالهم وضربهم وحبسهم لو خالفوا أوامر سيدهم السعودى ..

ولنقارن هنا بين القاضى الإنجليزى والقاضى السعودى .. فالقاضى الإنجليزى ، غير المسلم ، الذى لم يزعم أبدا إنه ينفذ شريعة الله، إحتكم إلى ضميره الإنسانى والمهنى وإلى قانون ديمقراطى يحرم تجريم الناس على أفكارهم فأطلق سراح شخص دعا إلى تكفير الآخرين وذبحهم .. أما القاضى السعودى فهو يزعم أنه يمثل الإسلام لكنه يصدر أحكاما ظالمة إرضاء لسمو الأميرة ...

إن القاضى الإنجليزى فى رأيى أكثر إسلاما من الشيخ السعودى، لأنه ينفذ العدل وهو الأساس الأول للإسلام .. ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الفقير أقاموا عليه الحد , والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ..)) .

إن مأساة الطبيبين المصريين تدل على مدى الهوان الذى وصل إليه المصريون فى الخارج والداخل بسبب النظام الفاسد الظالم الذى يحكم مصر .. لكنها أيضا تقدم لنا نموذجا عمليا على بشاعة التدين البديل ونفاقه وأكاذيبه ...

إن الدين يتحول دائما إلى طاقة إنسانية إصلاحية عظيمة عندما يفهم على أساس دفاعه عن حقوق الإنسان وكرامته .. لكننا فى اللحظة التى نقصر فيها رؤيتنا للدين على المظاهر والطقوس نصبح مؤهلين لإرتكاب أسوأ أنواع الرزائل .. لأننا بفهمنا القاصر للدين نعطل إحساسنا الفطرى بالضمير، وبالتالى نطلق لأنفسنا العنان فى إرضاء مصالحنا ونزواتنا ونحن مطمئنون إننا قد أدينا الصلوات فى أوقاتها .

إن الإسلام قد أبدع حضارته العظمى عندما دافع عن الحق والعدل والحرية والمساواة ...

أما فى أزمنة الإنحطاط فقد إنفصلت العقيدة عن السلوك عند المسلمين فتخلفوا حتى صاروا فى مؤخرة الأمم .

ولن ينهض العرب والمسلمون إلا عندما يستعيدون فهمهم الصحيح للإسلام , وما لم يحدث ذلك ... فسوف نظل مشغولين بالتشاجر حول الحجاب والنقاب وإعفاء اللحية وإرتداء الدبلة الذهبية , بينما نحن نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين

6 comments:

Samir Saad said...

المقال جميل ولكن:
"إن القاضى الإنجليزى فى رأيى أكثر إسلاما من الشيخ السعودى، لأنه ينفذ العدل وهو الأساس الأول للإسلام"
استصعب استخدام كلمات مثل اكثر اسلاما، لانها تضطر قائلها إلى الوقوف على معني للاسلام، هنا يحاول الكاتب الجنوح بمعاني الاسلام نحو العدل. إلا انه مازال مطالبا بتعريف العدل، وهو الامر العسير والذي لن يتأتى إلا بتحديد الملموسات التي يمكننا من خلالها استشفاف العدل، هذه الملموسات الماثلة في الدساتير والقوانين.
الدساتير والقوانين الوضعية المتغيرة زمانيا ومكانيا، القائمة على اجتهاد العقل وحرية الفكر.

الواضح اننا نحتاج للاجتهاد والحرية الفكرية وهذة قضية. ولكن حين يسعى الانسان لاستخراج الاجتهاد والحرية الفكرية من المنهج الديني، تصير القضية قضيتين.
قضية مع الفكر الديني ورجالاته، واخرى مع المجتمع وجهالاته.

مواطن مصري said...

http://www.masrawy.com/News/Egypt/Politics/2008/november/7/veil.aspx

شوفي دة

Desert cat said...

رايت مسلمين بلا اسلام
ورايت اسلام بلا مسلمين
الله يرحمه

Fantasia said...

الاستاذ العزيز ذي انوسنت

وحشتني اطلالتك يا سيدي الفاضل

واتفق معك في التحفظ على القالب الذي استخدمه الكاتب لصياغة المعنى المراد.. لكنها صورة يراد بها توضيح مفهوم ما للقاريء المتوسط وما دون ذلك، وهم الاغلبية في مصر

طبعا مافيش أي دين، سماوي أو غير سماوي، لا يدعو إلى تطبيق العدل.. بل وكلهم يضع هذا كأساس يجب لاتباع هذا الدين التقيد به.. لكن كما وضحت حضرتك المشكلة مشكلة تعريفات.. يعني معنى العدالة دا هلامي.. زي مثلا اللي حصل في الصومال مؤخرا من رجم لفتاة مغتصبة باسم تطبيق القانون.. هذه هي عدالتهم.. ويزعمون انها العدالة التي تنص عليها الشريعة.. أي انها عدالة السماء وليست عدالة البشر حتى

والسعودية تفعل نفس الشيء.. فحكم مثل الذي نحن بصدده، حبس الطبيب 7 سنوات وجلده 1500 جلدة، ليس به صد أو رد.. لأن القاضي السعودي يزعم ان هذا هو حكم السماء.. وهذه هي العدالة التي كلفه الدين بتطبيقها

كم من الجرائم ارتكبت باسم العدالة؟

تحياتي يا عزيزي

Fantasia said...

الاستاذ مواطن مصري

حصل يا فندم.. وكان عندي فكرة عن الموضوع.. لكن التعليقات جابتلي صدمة وضغتي علي.. سامحك الله

Fantasia said...

العزيزة قطة الصحراء

المشكلة يا حبيبتي تاني في التعريفات.. فيه ناس دلوقتي اغتصبوا الاسلام وفرضوا الوصاية عليه.. وهما دول اللي بيحددوا إيه هو الاسلام ومين هما المسلمين.. ولو ناقشتيهم يقرروا انهم يطلعوكي برا الاسلام بتاعهم

يعني القاعدة مثلا، فاكرين ان هما دول المسلمين اللي عندهم اسلام.. هما دول المجاهدين اللي رايحين الجنة حدف، وباقي العالم كله كفر وضلال وفسق وفساد

خالص تحياتي